سورة التوبة - تفسير تيسير التفسير

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (التوبة)


        


اذن: يسمع كل ما يقال ويصدقه. اذن خير: يسمع الصدق ولا يخدع بالباطل. يؤمن للمؤمنين: يصدقهم لما يعلم فيهم من الاخلاص والايمان الصادق.
لا يزال الحديث في المنافقين ومداوراتهم، وما كانوا يفعلون من توجيه الأذى للنبي صلى الله عليه وسلم. وقد رودت عدة روايات في هذا الموضع عن ابن اسحاق وابن المنذر وغيرهم. من ذلك ان رجلا من المنافقين اسمُه: نبتل بن الحارث، كان يأتي الرسول الكريم فيجلس اليه فسمع منه ثم ينقل حديثه إلى المنافقين. وهو الذي قال لهم: إنما محمد أذُنٌ، مَنْ حدّثَه شيئا صَدّقه.
وكذلك روي أن جماعة من المنافقين منهم جلاس بن سويد بن الصامت، ومخشي بن حِمْير، وديعة بن ثابت- اجتمعوا فأرادوا ان يقعوا في النبي الكريم. فنهى بعضهم بعضا، وقالوا: نخاف ان يبلغ محمدا فيقع بكم. فقال بعضه انما محمد أُذُونٌ نَحْلِفُ له فيصدّقنا... فنزل قوله تعالى: {وَمِنْهُمُ الذين يُؤْذُونَ النبي وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بالله وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ والذين يُؤْذُونَ رَسُولَ الله لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.
ومن المنافقين جماعة يتعمّدون إيذاء النبيّ، فيتّهمونه بأنه يسمعُ من كّلِ أحدٍ ما يقوله ويصدِّقه، وانه يُخْدع بما يَسْمَع، فقل لهم ايها الرسول: إن من تتناولونه بهذه التُّهمة ليس كما زعمتم، بل هو أُذُن خير لكم لا يَسْمع الا الصِدق، ولا يُخدع بالباطل، ويصدِّق بالله وبما يوحي اليه، ويصدِّق المؤمنين، لانه يعمل ان إيمانهم يمنعُهم من الكذب. وهو رحمةٌ للذين آمنوا منكم إيمانا صحيحا، اما الذين يؤذون الرسول بالقولِ أو بالفعل فجزاؤهم العذاب الشديد.
وقد صار هذا القول عن بعض المنافقين لأن النبي الكريم كان لا يواجهُهم بسوء، ويعاملهم بكل سماحة، ويهَشّ لم ويستقبلهم، فظنّوا أنه ينخدِع بهم، وتنطلي عليه حيلُهم ونفاقهم.
قراءات:+
قرأ نافع: {أذن} باسكان الذال، والباقون {اذن} بضم الذال، وقرأ حمزة: {ورحمة} بالجر عطفا على {خير} والباقون: {رحمة} بالضم.
{يَحْلِفُونَ بالله لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ والله وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُواْ مُؤْمِنِينَ}.
الخِطابُ للنبي والمؤمنين: يحلِفون لكم أنهم ما قالوا ما نُقل عنهم لترضوا عنهم وتقبلوا معاذيرهم، واللهُ والرسول أحقُّ بالحِرص على رضائهما، ان كانوا مؤمنين كما يدّعون.
روى ابن المنذر عن قتادة قال: ذُكر لنا ان رجلاَ من المنافقين قال شأن المتخلفين عن غزوة تبوك: والله إن هؤلاء لَخيارُنا وأشرافُنا، وإن كان ما يقول محمدٌ حقاً لهُم شَرُّ من الحُمُر. فسمعها رجل من المسلمين فقال: واللهِ ان ما يقول محمدٌ لحقّ، ولأنت شرُّ من الحمار. وجاء وأخبر النبيَّ بذلك، فأرسل إلى الرجل فدعاه فقال له: ما حَمَلَكَ على الذين قلت؟ فجعل يلعن نفسضه ويحلِف بالله ما قال ذلك. وجعل الرجلُ المسلمُ يقول: اللهمَّ صدِّق الصادقَ، وكذِّب الكاذبَ. فأنزل الله {يَحْلِفُونَ بالله لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ}.
{أَلَمْ يعلموا أَنَّهُ مَن يُحَادِدِ الله وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِداً فِيهَا ذلك الخزي العظيم}.
ألم يعملم هؤلاء المنافقون ان من يكفر باللهِ وعيادي اللهَ ورسولَه جزاؤه العذابُ الأليم في جهنم يوم القيامة، وأن ذلك هو الذلّ والهوان العظيم الذي يصغر دونه كل خِزي في الحياة الدنيا.


مخرج ما تحذرون: مظهرٌ ما تخافون. كنا نخوض ونلعب: الخوض في الشيء الدخول فيه، وكَثُرَ استعماله في الباطل.
{يَحْذَرُ المنافقون أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم قُلِ استهزءوا إِنَّ الله مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ}.
يخشى المنافقون ان تنزل سورةٌ فيهم على النبيّ تُخبر يُخفون في قلوبهم، ويُسِرُّونه بينهم. إنهم يحذّرون ان تنزلَ سورةٌ في شأنهم وبيان حالهم فتكون في ذلك فَضيحتُهم وكشفُ عوارتِهم وإنذارُ ما يترتب عليه من عقابهم. قل لهم أيّها الرسول: استهزِئوا ما شئتم، فان الله سيُظهرُ ما تخشَون ظهوهرَه بما يفضحكم به.
{وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ}.
إنك ايها الرسول ان سألتَ هؤلاء المنافقين عن أقوالهم هذه، وسببِ طَعْنِهم في الدين واستهزائِهم بالله وآياته، اعتذَروا بقولهم كنّا نخوض في الحديث ونلهو.؟
أخرج ابنُ المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة قال: «بينما رسول الله في غزوة تبوك، إذ نظر إلى أناس يقولون: أيرجو هذا الرجلُ ان يتُفْتَحَ له قصورُ الشام وحصونها؟ هيهات هيهات، فأطلَع اللهُ نبيّه على ذلك، فقال: احبِسوا على هؤلاء الرَّكب- بمعنى أوقفهم فاهم- فقال: قلتم كذا وقلتم كذا قالوا: يا نبي الله، إنما كنا نخوض ونلعب». فأنزل الله تعالى فيهم: {قُلْ أبالله وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ}.
ألم تجدوا ما تستهزئون به في خَوْضِكم ولعبكم إلا الله وآياتِه ورسولَه!!، هل ضاقت سبُل القول، فلم تجدوا ما تخوضون فيه وتلعبون غير هذا: {لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنْكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ}.
لا تعتذروا بهذه الأعذار الباطلة، قد ظَهَرَ كُفرهم بعد ادّعائكم الإيمان، فان نعفُ عن طائفةٍ منكن لأنهم تابوا وآمنوا وصدَقَت توبتُهم، فسنعدّب طائفةً اخرى منكنم بسبب إصرارِهم على الكفر والنفاق، وإجرامهم في حقّ الرسول والمؤمنين.


المنكر: كل ما تستنكره الفطرة السليمة وستقبحه الشرع، وضده المعروف. نسوا الله فنسيهم: تركوا طاعة الله فجازاهم على نسيانهم بحرمانهم من الثواب. بخلاقهم: بنصيبهم خضتم: دخلتم في الباطل. حبطت اعمالهم: فسدت وذهبت. اصحاب مدْين: قوم شُعيب المؤتمفكات: قوم لوط.
{المنافقون والمنافقات بَعْضُهُمْ مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بالمنكر وَيَنْهَوْنَ عَنِ المعروف وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ}.
ان أهل النفاق، رجالاً ونساءً، يتشابهون في صفِاتهم وأخلاقهم وأعمالهم، فهم يفعلون القبيح ويأمرون به، كالكذِب والخيانة وإخلاف الوعد ونقض العهد. وفيه الحديث الصحيح عن أبي هريرة: «آيةُ المنافق ثلاث: إذا حدَّث كَذَب، واذا وعد أخلَف، واذا ائتِمُنَ خان» رواه البخاري ومسلم.
وينهَون عن المعروف كالجِهاد في سبيل الله وبذْلِ المال، وهو الذي عبَّر عنه بقوله: {وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ} أي يبخلون في بذْل المال في سبيل الله.
{نَسُواْ الله فَنَسِيَهُمْ إِنَّ المنافقين هُمُ الْفَاسِقُونَ}.
تركوا طاعةَ الله وخالفوا أوامره فجازاهم الله تعالى بحِرمانهم من رحمته ونسِيَهم، فلا وزنَ لهم ولا اعتبار. إنّهم خارجون عن الايمان، منحروف عن الصراط المستقيم، ولذلك وعدهم الله مصيراً كمصير الكفار، وبيَّن ما أعدّ لهم ولأمثالهم من العقاب جزاءً لهم فقال: {وَعَدَ الله الْمُنَافِقِينَ والمنافقات والكفار نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ الله وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ}.
وعد الله هؤلاء جميعاً نارَ جهنّم يدخلونها ويَصْلَونها خالدين فيها لا يخرجون منها أبدا، وهي حسبُهم عِقابا، وعليهِم مع هذا العقاب غضبُ الله وعذابه الدائم.
ثم بعد ذلك يذكِّر الله تعالى هؤلاء القومَ بما كان من أسلافهم، ويبصِّرُهم بأنهم يسلكون طريقَهم، ويحذّرهم أن يُلاقوا مصيرَهم، لعلّهم يهتدون فيقوله: {كالذين مِن قَبْلِكُمْ كَانُواْ أَشَدَّ مِنكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالاً وَأَوْلاَداً فاستمتعوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاَقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ بِخَلاَقِهِمْ وَخُضْتُمْ كالذي خاضوا}.
إنكم أيها المنافقون كأولئك المناقين الذين خَلَوْا من قبلِكم، فإنهم كانوا أقوى منكم واكثّر اموالاً واولاداً، وقد اسمتَعوا بما قُدِّرَ لهم من حظوظ الدنيا، وأعرضوا عن ذِكر الله وتقواه، وقابلوا أنبياءَهم بالاستخفافِ وسخِروا منهم فيما بينم وبين أنفسِهم. وقد استمتعتُم أنتم بما قُدر لكم من ملاذّ الدنيا، وحَذَوْتم حذوهم ودخلتم في البالطل كما دخلوا، وخضتم فيما خاضوا فيه، وسلكتم سبيلَهم في طريق الضلال.
{أولئك حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدنيا والآخرة وَأُوْلَئِكَ هُمُ الخاسرون}.
إن أولئك المستمتعين بملذّاتهم في الدنيا، والخائضين في الباطل، بَطَلَت أعمالهم بطلانا أساسا، فل تنفعْهم في الدنيا ولا في الآخرة، وخسروا كل شيء وأنتم مثلهم في سوء الحال والمآل.
ثم شاء ان ينبّههم ويحذرهم من سوء عاقبة اعمالهم، فاتجه من خطابهم إلى خطاب عام، كأنما يَعجب من هؤلاء الذين يسيرون في طريق الهالكين، لعلّهم يعتبرون بالذين خلّوا من قبلهم، ويتّعِظون بهم، فيقول: {أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الذين مِن قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وِأَصْحَابِ مَدْيَنَ والمؤتفكات أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بالبينات فَمَا كَانَ الله لِيَظْلِمَهُمْ ولكن كانوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}.
أفلا يعتبر المنافقون والكافرون بحال الذين سبقوهم ممن ساروا في نفس الطريق الخاطئة، عَصَوا رسُلَهم وخالفوا أمر ربهم فأّخذهم العذاب!! ومن هؤلاء {قوم نوح} وقد غمرهم الطوفان وأغرقهم، وقوم {عاد} وقد أُهلِكوا بريحٍ صَرْصر عاتيه، و{ثمود} وقد أخذتْهم الصحيةُ، و{قوم ابراهيم} وقد أهلَك الله طاغيتَه المتجبّر الذي حاول إحراق ابرهيم، {واصحاب مدين} وقد اصابتهم الرجفةُ وخنقتْهم الظُلّة، {والمؤتفكات} قرى قوم لوط، وقد جعل الله عاليَها سافلَها وقطَع دابرَهم. ألم يأتِهم نبأ هؤلاء الذين {أتتهم رسُلُهم بالبينات} فكذّبوا بها، فأخذهم الله بذنوبهم!!، لقد ظلموا انفسَهم بكفرهم وتمرّدهم على الله، وإن كثيراً ممن سبتليهم الله بالقوة والنِعمة لتغشَى ابصارَهم وبصائرهم غشاوة، فلا يُبصرون مصارع الاقوياء قبلهم.

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10